أحمد العياط: التغذية الذكية مفتاح الاكتفاء الذاتي في الأعلاف السمكية
كتب-محمد أشرف
في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة وما تشهده الأسواق من تقلبات مستمرة في أسعار الخامات ومدخلات الإنتاج، أصبح قطاع الثروة السمكية يواجه تحديات حقيقية تهدد استدامته وتوازن منظومته الإنتاجية، خاصة أن الأعلاف تمثل النسبة الأكبر من إجمالي تكلفة الإنتاج في المزارع السمكية. ومن هنا تتجه أنظار المزارعين والخبراء نحو البحث عن حلول علمية وعملية تحقق المعادلة الصعبة بين خفض التكلفة دون الإخلال بجودة المنتج أو التأثير على صحة الأسماك ومعدلات نموها.
وفي هذا السياق، يبرز دور ملف تغذية الأسماك كأحد الركائز الأساسية في تطوير هذا القطاع الحيوي، الذي يمثل مصدرًا مهمًا للأمن الغذائي الوطني. إذ لم تعد عملية التغذية مجرد توفير طعام للأسماك، بل أصبحت علمًا قائمًا على أسس دقيقة تشمل دراسة الاحتياجات الغذائية، وتحليل جودة المياه، ومتابعة السلوك اليومي للأسماك، واستخدام بدائل علفية مبتكرة تسهم في تقليل التكلفة وتحسين الأداء الإنتاجي.
وتحدث الدكتور أحمد العياط، باحث أول وخبير تغذية الأسماك، خلال برنامج «من المزرعة للميكروفون» عبر راديو «هواها بيطري» عن أحدث الاستراتيجيات العلمية والعملية في تغذية الأسماك، وكيف يمكن للمزارعين تحقيق التوازن بين خفض التكلفة وضمان جودة المنتج النهائي، في ضوء المتغيرات الاقتصادية والمناخية التي يشهدها العالم.
في البداية دكتور أحمد، كيف ترى واقع تغذية الأسماك في مصر خلال الفترة الحالية؟
شهد قطاع تغذية الأسماك في مصر تطورًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة. فبعد أن كنا نعتمد على الأعلاف التقليدية والمكونات المحلية البسيطة، أصبحنا اليوم نستخدم تقنيات متقدمة في تصنيع الأعلاف مثل الأعلاف المكبوسة والمطفية (الطافية)، وهي نظم تتيح للأسماك الاستفادة المثلى من الغذاء وتقليل الفاقد.
لكن رغم هذا التطور، لا تزال هناك تحديات تتعلق بارتفاع أسعار الخامات، خاصة المكونات المستوردة مثل فول الصويا والذرة، مما يؤثر بشكل مباشر على تكلفة العلف وبالتالي على ربحية المزارع.
ما أبرز التحديات التي تواجه المزارعين حاليًا في تغذية الأسماك؟
تتمثل أهم التحديات في ارتفاع أسعار الأعلاف نتيجة الاعتماد الكبير على المواد الخام المستوردة، إلى جانب نقص الوعي بطرق التغذية الصحيحة في بعض المزارع، مما يؤدي إلى هدر كميات كبيرة من العلف دون استفادة فعلية.
كما توجد مشكلة غياب المتابعة الدقيقة للحالة الصحية للأسماك، فالتغذية ليست فقط كمية العلف، بل تشمل التوقيت المناسب، وجودة المياه، وحالة الطقس، وطبيعة الأسماك نفسها.
كيف يمكن تحقيق معادلة التوازن بين تقليل تكلفة العلف والحفاظ على جودة الإنتاج؟
يمكن تحقيق التوازن من خلال الإدارة الجيدة للتغذية، أي معرفة الاحتياجات الغذائية لكل نوع من الأسماك في كل مرحلة عمرية، وعدم الإفراط أو التفريط في تقديم العلف.
كما أن الاعتماد على بدائل محلية لمصادر البروتين، مثل استخدام مسحوق الحشرات أو مخلفات التصنيع الزراعي بعد معالجتها، أصبح من الاتجاهات الواعدة.
كذلك يجب التركيز على تحسين كفاءة تحويل العلف إلى لحم من خلال اختيار الزريعة الجيدة، وتطبيق برامج تغذية علمية مبنية على تحليل الأداء في المزرعة.
ما دور التكنولوجيا الحديثة في تطوير صناعة الأعلاف السمكية؟
تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في هذا المجال. اليوم نستخدم برامج محاكاة وتغذية ذكية تساعد في تحديد الكمية المناسبة للأسماك في كل وجبة.
كما أصبحت أنظمة التغذية الآلية (Auto Feeding Systems) متوفرة في كثير من المزارع الكبرى، وتساهم في خفض الفاقد وتحسين توزيع العلف داخل الأحواض.
بالإضافة إلى ذلك، أدت التطورات في تصنيع الأعلاف الطافية (Extruded Feeds) إلى زيادة كفاءة الهضم وتحسين جودة المياه داخل الحوض، لأن الأسماك تستهلك العلف بالكامل دون ترسيب في القاع.
من وجهة نظرك، ما الخطوات التي يجب على المزارع اتباعها لتحسين كفاءة التغذية؟
أنصح في المقام الأول بضرورة المراقبة اليومية للأسماك لمتابعة سلوكها وشهيتها، إذ تُعد هذه المؤشرات دليلاً مباشرًا على حالتها الصحية.
ويُفضل عدم تغيير نوع العلف بشكل مفاجئ، بل يتم ذلك تدريجيًا لتجنب أي اضطرابات هضمية قد تؤثر على نمو الأسماك.
كما من المهم إجراء تحاليل دورية لجودة المياه، لأن أي خلل في نسب الأكسجين أو الأمونيا قد ينعكس سلبًا على كفاءة الاستفادة من الغذاء.
وأخيرًا، يُوصى دائمًا بالتعاون مع الخبراء والباحثين في المجال، فالتغذية السمكية ليست عملًا عشوائيًا، بل علم دقيق يعتمد على الخبرة والبيانات العلمية.
كيف ترى مستقبل صناعة الأعلاف السمكية في مصر خلال السنوات القادمة؟
ينظر الدكتور أحمد العياط بتفاؤل كبير إلى مستقبل صناعة الأعلاف السمكية في مصر، مؤكدًا أن البلاد تمتلك خبرات واسعة في مجال الاستزراع السمكي، إلى جانب الدعم الحكومي المتزايد لتطوير هذا القطاع الحيوي.
وأضاف أن التوجه الحالي نحو تعزيز الابتكار المحلي في تصنيع الأعلاف، والاعتماد على مصادر بروتين بديلة ومستدامة، يعد خطوة استراتيجية تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأعلاف خلال السنوات المقبلة، بما ينعكس إيجابيًا على كفاءة وجودة الإنتاج السمكي في مصر.
كلمة أخيرة من الدكتور أحمد العياط للمزارعين
وجّه الدكتور أحمد العياط رسالة مهمة إلى المزارعين، مؤكدًا أن تغذية الأسماك ليست مجرد عملية يومية، بل علم واستثمار طويل الأمد يقوم على الدقة والإدارة الرشيدة.
وأشار إلى أن البحث عن العلف الأرخص لا يحقق المكاسب المرجوة، بل يجب التركيز على اختيار العلف الأكفأ والأكثر توافقًا مع احتياجات الأسماك، لأن كل كيلوغرام يُهدر في التغذية غير السليمة يمثل خسارة مباشرة في الأرباح.
وشدد العياط على أن الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة داخل المزرعة هو العنصر الفارق بين مشروع ناجح وآخر متعثر.