هل يشعل “Deep Seek” الذكاء الاصطناعي الصيني ثورة في وادي السيليكون؟
م. ناصر قورة
أخصائي نظم معلومات
تفاجئ العالم بسرعة انتشار “ديب سيك” الصيني، محدثا ثورة في الذكاء الاصطناعي تهز أسواق المال الأمريكية. ففي خطوة باغتت العالم التقني، تمكن تطبيق “ديب سيك” (Deep Seek) الصيني من إحداث ضجة كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، ما أدى إلى تأثيرات غير مسبوقة على أسواق المال الأمريكية، خاصة قطاع التكنولوجيا. ما يميز هذا التطور ليس فقط قدرات التطبيق، ولكن أيضًا تكلفته المنخفضة مقارنة بنظرائه الغربيين.
وطورت الشركة الصينية الناشئة نموذج ذكاء اصطناعي متقدم بتكلفة لم تتجاوز 6 ملايين دولار، في حين أن الشركات الغربية الكبرى، مثل “أوبن أيه آي” و”جوجل”، تنفق مليارات الدولارات على تطوير نماذجها. هذه الكفاءة العالية في التكلفة أثارت تساؤلات حول مدى تفوق الصين في تطوير تقنيات أكثر فعالية بأقل التكاليف.
ولم يقتصر تأثير “ديب سيك” على المنافسة التقنية فقط، بل انعكس مباشرة على القيمة السوقية لأكبر شركات التكنولوجيا، حيث شهدت شركة “إنفيديا” (Nvidia) خسارة تقارب 600 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد، وهو رقم صادم يعكس مدى الذعر الذي أصاب المستثمرين.
ولم تكن “إنفيديا” وحدها، إذ امتدت التأثيرات إلى “مايكروسوفت”، “أمازون”، و”ألفابت” (الشركة الأم لجوجل)، حيث تراجعت أسهم هذه الشركات بسبب المخاوف من أن “ديب سيك” قد يعيد تشكيل خريطة التنافسية في الذكاء الاصطناعي، مما قد يقلل من حجم الاستثمارات الأمريكية في هذا القطاع مستقبلاً.
والسؤال الأهم الان هو ما الذي يميز “ديب سيك”؟
إحدى أبرز الميزات التي جعلت “ديب سيك” يحدث هذا التأثير الهائل هي اعتماده على الكود المفتوح المصدر، مما يمنح المطورين القدرة على الوصول إلى تقنياته مجانًا. وهذا يختلف عن النماذج الأمريكية التي تعتمد على نهج تجاري مغلق، حيث تتطلب اشتراكات أو تراخيص لاستخدامها.
ميزة أخرى فريدة هي أن “ديب سيك” يستطيع مراجعة المنطق الذي اعتمد عليه في توليد الإجابات قبل عرضها على المستخدم، مما يعزز الشفافية والدقة في إنتاج المحتوى المعتمد على الذكاء الاصطناعي. هذه الخاصية تجعل التطبيق أداة قوية للبحث والتطوير، وقد تكون أحد العوامل التي تضعه في موقع متقدم بالمقارنة مع النماذج الغربية.
أرى أن “ديب سيك” قد يمثل بداية تحول جذري في صناعة الذكاء الاصطناعي، و أن هذا التطور يعكس القدرة المتزايدة للصين على الابتكار في هذا المجال، وهو ما قد يفتح الباب أمام نموذج عالمي جديد في تطوير الذكاء الاصطناعي، بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية.
وكما أكد المحلل الاقتصادي جوناثان غرين من “وول ستريت إنسايدر”، فيرى أن هذه المنافسة الجديدة ستزيد من الضغط على الشركات الأمريكية، مما سيدفعها إلى تسريع الابتكار أو خفض تكاليف تطوير الذكاء الاصطناعي، وهو ما قد يكون في صالح المستخدمين والمطورين حول العالم.
ختامًا: لا شك أن ظهور “ديب سيك” يمثل تحديًا حقيقيًا لعمالقة التكنولوجيا الأمريكيين، ويعيد رسم مشهد المنافسة في الذكاء الاصطناعي. هل ستتمكن الشركات الغربية من مواكبة هذه الطفرة الصينية؟ أم أن “ديب سيك” سيكون بداية لعصر جديد من التفوق التقني الصيني؟ الأيام القادمة ستكشف لنا الإجابة.