رؤية مصرية للتكافل الأفريقي: الاستزراع السمكي مستقبل الغذاء في القارة السمراء
كتب-محمد أشرف

في إطار التوجه المصري لتعزيز التكامل الأفريقي وتحقيق الأمن الغذائي المستدام، طرح الدكتور صلاح مصيلحي رئيس جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية بمجلس الوزراء، رؤية استراتيجية شاملة تستهدف تفعيل التعاون والتكافل مع الدول الأفريقية في مجال الثروة السمكية، من خلال محاور مترابطة تجمع بين البحث العلمي، والتنمية والاستثمار، والحوكمة المؤسسية، بما يعكس الدور الريادي لمصر في دعم التنمية الزرقاء والأمن الغذائي في القارة السمراء.
وأكد الدكتور مصيلحي في تصريحات خاصة لـ «هواها بيطري» أن الثروة السمكية تمثل أحد أهم ركائز الاقتصاد الأزرق الأفريقي، وعنصرًا محوريًا في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير فرص العمل للشباب والمرأة في المجتمعات الساحلية والبحيرية، مشددًا على أن التعاون بين الدول الأفريقية في هذا القطاع الحيوي لم يعد خيارًا، بل ضرورة تنموية وإنسانية لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الفاقد وتعزيز القيمة المضافة للموارد المائية.
أولًا: التعاون الأفريقي في مجال الثروة السمكية – ثلاثة محاور استراتيجي
- محور البحث العلمي والتقني
يستند هذا المحور إلى إنشاء شبكة بحثية أفريقية مشتركة تضم المراكز والمعاهد المتخصصة في بحوث الأسماك والاستزراع السمكي، لتبادل الخبرات والمعرفة العلمية.
ويتضمن كذلك تنفيذ مشروعات بحثية تطبيقية مشتركة لتحسين السلالات السمكية، واستخدام التكنولوجيا الحيوية لمقاومة الأمراض، وإنتاج الأعلاف المحلية منخفضة التكلفة.
كما يشمل تبادل الباحثين والمتدربين بين الدول، وإنشاء قاعدة بيانات أفريقية موحدة حول الموارد السمكية والإنتاج والأمراض وجودة المياه. - محور التنمية والاستثمار
يستهدف إقامة مشروعات إقليمية مشتركة في مناطق استراتيجية مثل حوض النيل والبحيرات الكبرى والسواحل الأفريقية، إلى جانب تفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتحسين البنية التحتية للأسواق السمكية من حيث النقل والتبريد والتسويق.
كما يتضمن تطوير نظام اعتماد أفريقي للجودة والسلامة الغذائية لتسهيل التجارة البينية وتوحيد المعايير. - محور الحوكمة والتكامل المؤسسي
يهدف إلى تعزيز دور المنظمات الإقليمية مثل الهيئة الأفريقية لتنمية الثروة السمكية، وإطلاق المبادرة الأفريقية للأمن الغذائي السمكي لتقليل الفاقد وزيادة الاستهلاك المحلي.
كما يركز على تبادل الخبرات في مكافحة الصيد غير القانوني، وبناء قدرات المؤسسات الوطنية في مجالات الرقابة الصحية وجمع البيانات وتطبيق سياسات الاستدامة البيئية.
ثانيًا: إستراتيجية مصر لتعزيز التكافل الأفريقي في الثروة السمكية
تتبنى مصر رؤية واضحة تقوم على تعزيز التكامل والتعاون الأفريقي لتحقيق الأمن الغذائي السمكي والتنمية المستدامة، من خلال:
الأهداف الإستراتيجية:
- تعميق العلاقات البحثية والتقنية بين المراكز والمعاهد المتخصصة.
- توسيع فرص الاستثمار المشترك في مشروعات الاستزراع السمكي والمصايد الطبيعية.
- رفع كفاءة الكوادر الأفريقية في الإدارة والصحة السمكية والجودة والتكنولوجيا الحديثة.
- تحقيق التكامل في سلاسل القيمة السمكية من الإنتاج وحتى التسويق والتصدير.
- تفعيل الدبلوماسية السمكية كأداة للتكامل الاقتصادي والتعاون الإقليمي.
محاور التنفيذ:
أ. المحور العلمي والبحثي:
إنشاء منصة بحثية أفريقية بقيادة معهد بحوث الثروة السمكية المصري، وتنفيذ برامج تدريب متقدمة في مجالات صحة الأسماك، النظم المكثفة، والتقنيات الحيوية، إلى جانب تنظيم مؤتمر أفريقي سنوي للثروة السمكية برعاية مصرية.
ب. المحور التنموي والاستثماري:
إقامة مشروعات سمكية نموذجية مشتركة مع دول مثل أوغندا وكينيا وتنزانيا والسودان، ودعم إنشاء مصانع أعلاف ومفرخات إقليمية، بالإضافة إلى إنشاء مناطق لوجستية سمكية تربط الموانئ المصرية بالأسواق الأفريقية.
ج. المحور المؤسسي والسياسي:
تفعيل التعاون مع مفوضية الاتحاد الأفريقي، والمنظمات الإقليمية مثل الكوميسا والإيكاد، وتوقيع مذكرات تفاهم لتبادل المعلومات، ودعم نظام مراقبة أفريقي مشترك للصيد غير القانوني باستخدام الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي.
د. المحور المجتمعي والإنساني:
تمكين المرأة والشباب في سلاسل القيمة السمكية، وتنظيم حملات توعية حول سلامة الغذاء وتقنيات الحصاد المستدام، والمشاركة في مشروعات الأمن الغذائي والتغذية المدرسية بالبروتين السمكي منخفض التكلفة.
ثالثًا: الاستزراع السمكي.. ركيزة الأمن الغذائي الأفريقي المستدام
تؤكد الرؤية التي طرحها الدكتور مصيلحي أن الاستزراع السمكي يمثل مستقبل الغذاء في أفريقيا، باعتباره مصدرًا مستدامًا للبروتين الحيواني، يسهم في توليد فرص العمل وتنمية الاقتصاد الأزرق.
الركائز الاستراتيجية للرؤية:
- الابتكار والتكنولوجيا: إدخال النظم المكثفة، واستخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة جودة المياه، وتطبيق النظم التكاملية (أكوابونك وأرز-سمك).
- الاستدامة البيئية: تبني نظم إدارة بيئية سليمة، وتربية سلالات مقاومة للأمراض، وتشجيع الأعلاف المحلية.
- التكامل الإقليمي: إنشاء مناطق استزراع مشتركة، وتبادل الخبرات، وتوحيد المواصفات الصحية.
- التنمية المجتمعية والاقتصاد الأزرق: دعم المشروعات الصغيرة للشباب والمرأة، وتطوير البنية التحتية للأسواق.
- الحوكمة والسياسات: تحديث التشريعات، وتأسيس مجالس وطنية وإقليمية، وتعزيز نظم الرقابة والجودة.
رابعًا: آليات التنفيذ والنتائج المتوقعة
• تشكيل لجنة تنسيقية مصرية-أفريقية للثروة السمكية.
• وضع خطة عمل ثلاثية المدى لمتابعة الأداء.
• تفعيل التمويل المشترك عبر الصناديق الإقليمية والبنك الأفريقي للتنمية.
النتائج المتوقعة:
• بناء شبكة تكامل أفريقية قوية.
• مضاعفة حجم التجارة البينية السمكية خلال 5 سنوات.
• تعزيز الدور المصري في دعم الأمن الغذائي الأفريقي.
• تحقيق استفادة متبادلة من الموارد والخبرات لترسيخ مفهوم «التكافل الأفريقي».
تجسد هذه الرؤية التي يقودها الدكتور صلاح مصيلحي توجهًا مصريًا جديدًا نحو اقتصاد أزرق أفريقي متكامل، يقوم على التعاون لا التنافس، والتكافل لا التباعد، لتصبح الثروة السمكية ركيزة حقيقية في بناء قارة آمنة غذائيًا، قوية تنمويًا، ومتصلة مؤسسيًا تحت مظلة الشراكة الأفريقية الشاملة.



