البحوث الزراعية: تطبيق استراتيجيات استبعاد الأبقار طوق النجاة لمشروعات الانتاج الحيواني
كتب- أحمد أنور
ناقش مركز البحوث الزراعية، التابع لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني في ندوة إقيمت بوزارة الزراعة، استراتيجيات استبعاد الأبقار وأسس إتخاذ قرار التخلص من الرأس الغير المنتجة أو المريضة أو ذات المشاكل الصحية أو التناسلية بهدف تحسين الكفاءة الإنتاجية للقطيع وزيادة الأرباح والتى تعد طوق النجاة لمشروعات الإنتاج الحيواني.
وأكد الدكتور سميح محمد زاهد أستاذ تربية الحيوان بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني بمركز البحوث الزراعية الضوء على الأهمية الاقتصادية لقرارات استبعاد الأبقار من القطيع، سواء كان القرار مدفوعا بانخفاض الإنتاجية أو المشكلات صحية، أو كجزء من إعادة هيكلة القطيع، مشيرًا إلي أنه يتطلب تحليلا دقيقا للتكاليف والفوائد لضمان استمرارية الربحية وتحسين كفاءة المزرعة، وأوضح أن منهجيات وأساليب التطبيق تختلف بشكل ملموس بين المزارع الكبيرة والفلاحين الصغار، رغم أن الهدف النهائي واحد.
وأوضح زاهد أن الخطوة الأولى في اتخاذ قرار الاستبعاد هي التقييم الشامل لأداء البقرة ويشمل عدة جوانب رئيسية أولها الإنتاجية وذلك قياس إنتاج البقرة من الحليب أو اللحم (معدل النمو، جودة الذبيحة) ومقارنته بمتوسط القطيع والمعايير المحددة للمزرعة. في المزارع الكبيرة، يتم الاعتماد على سجلات مفصلة وأنظمة إدارة القطيع الرقمية لضمان دقة التتبع، بينما يعتمد الفلاح الصغير غالبا على الملاحظة اليومية والخبرة المتراكمة.
والجانب الثاني مشاكل التكاثر خاصة الأبقار التي تواجه صعوبة في الحمل، أو تتأخر في الولادة، أو تحتاج إلى تلقيح متكرر، مما يمثل عبئا اقتصاديًا. مؤكدًا أن المزارع الكبيرة تتابع هذه المؤشرات بشكل منهجي ضمن برامج التناسل المتخصصة، في حين قد يكتشفها الفلاح الصغير من خلال المراقبة المباشرة لدورات الشبق والفشل المتكرر في التلقيح.
والجانب الثالث يتعلق بالصحة العامة، وذلك للأبقار المعرضة للأمراض المزمنة (مثل التهاب الضرع المتكرر) أو التي تتطلب علاجًا بيطريًا مكلفًا ومستمرًا تزيد من التكاليف وتقلل الربحية. تعتمد المزارع الكبيرة على برامج صحية وقائية منتظمة وسجلات طبية دقيقة، بينما يعتمد الفلاح الصغير على التشخيص المبكر بالملاحظة واستشارة البيطري عند الضرورة.
والجانب الأخير هو العمر لأن إنتاجية الأبقار عادة ما تنخفض مع تقدم العمر، وتحدد المزارع الكبيرة عمرا افتراضيا أو عدد مواسم حليب كمعيار للاستبعاد، بينما يعتمد الفلاح الصغير على مؤشرات الأداء الفعلية للبقرة وعمرها التقريبي.
وأشار أستاذ تربية الحيوان إلى أنه بعد تقييم الأداء، يأتى دور التحليل الاقتصادي لتقدير الربحية المحتملة لاستمرار البقرة في القطيع مقابل تكلفة استبعادها، مع ملاحظة الاختلافات المنهجية بين النطاقين أولهم للمزارع الكبيرة حيث تُجري تحليلات تفصيلية للتكاليف والفوائد (Cost-Benefit Analysis) وتحسب التكاليف الدقيقة لتغذية البقرة الواحدة، وتكاليف الرعاية البيطرية، وتكاليف العمالة المرتبطة بها وتقارن هذه التكاليف بالعائد المحتمل من إنتاجها، وتأخذ في الاعتبار تكلفة الفرصة البديلة (أي الربح المفقود نتيجة عدم استبدالها ببقرة أكثر إنتاجية) وبذلك تكون لديها استراتيجيات واضحة للاستبدال، إما عن طريق شراء أبقار جديدة ذات مواصفات عالية أو الاعتماد على برنامج تربية وتسمين داخلي، والهدف الأسمى هو زيادة متوسط إنتاجية القطيع ككل وتقليل الهدر.
أما عن نطاق الفلاحين الصغار فإنهم يعتمدون على حسابات أبسط وأكثر عملية، وغالبا ما تكون تقديرية وتستند إلى خبراتهم الميدانية، ويركزون بشكل مباشر على تكلفة الأعلاف اليومية ومدى قدرة البقرة على تغطية هذه التكاليف من إنتاجها، وقد يتأثر القرار لديهم بـ “الحس الفلاحي” الذي يراعي العلاقة العاطفية مع الحيوان، ولكن الجانب الاقتصادي يظل المحرك الأساسي، وأحيانا يكون قرار بيع البقرة المستبعدة للذبح أو لمزرعة أخرى خيارهم الأسهل والأكثر شيوعًا للحصول على سيولة فورية، خاصة وإنهم يعتمدون على التربية الذاتية للعجلات كطريقة أساسية لاستبدال الأبقار المستبعدة، نظرًا لمحدودية الموارد لشراء أبقار جديدة.
وكشف زاهد عن أن قرار الاستبعاد ليس نهاية المطاف، بل هو جزء من استراتيجية أوسع لتحسين القطيع، وشدد على أهمية التخطيط لما بعد الاستبعاد، وتبيع المزارع الكبيرة الأبقار المستبعدة بكميات كبيرة لتجار الماشية أو المسالخ المخصصة، أو توجهها لبرامج تسمين محددة. بينما يبيع الفلاحون الصغار للجزارين المحليين أو قد يحتفظون بها للاستهلاك الشخصي.
وتركز المزارع الكبيرة على تحسين السلالات من خلال برامج تربية متقدمة واختيار دقيق للأمهات والذكور، لضمان أن البدائل الجديدة ستكون أكثر إنتاجية. ويسعى الفلاحون الصغار أيضا إلى تحسين نسل قطعانهم، ويتم ذلك غالبا من خلال اختيار العجلات ذات الأداء الجيد للأمهات المنتجة.
وشدد زاهد على أن الاستبعاد الاقتصادي للأبقار عملية حيوية لضمان استدامة وربحية قطاع الثروة الحيوانية، رغم اختلاف الأدوات والأساليب بين المزارع الكبيرة والصغيرة، ويظل الهدف واحد وهو إدارة القطيع بكفاءة لتعظيم العائد وتقليل التكاليف، مع التأكيد على أهمية اتخاذ قرارات مستنيرة مبنية على بيانات وتحليل اقتصادي..